الأحد، 28 أغسطس 2011

مدن الحرية

مدن لا تشبه باقي المدائن.مدن يحمل ريحها أصداء أمم قد خلت. تشعر بهذا الثقل في هوائها. رائحتها مختلفة عبقها دائماً محمل بالدم. بالارث. بالأسطورة. بالحزن. بالشجن. بالخوف. بالحلم. باطياف من ساروا على درب الحرية. ذلك الطريق القصير ذو النهاية الدامية. أناسها مختلفون عن باقي البشر. كأن الله لم يخلقهم من طين كالبشر. تخدعك مظاهرهم تتعجب من قدرتهم على التحمل. تستغرب استكانتهم لحياة ظاهرها بؤس و من باطنها عذاب. لزوجة أعينهم تخفي خلف الخنوع خبثا و مكرا يكاد لا يرى. تخفي خلف قناع الذل حلما  يحملون في أعماقهم روحا واحدة. تتخاطب الأرواح فيما بينها ترسم طريقها للخلاص. تتناقل الحلم أجيالا وراء اجيال بتؤدة و ارث من الصبر القاسي. يقذف رجالها في ارحام نسائها الحلم. تلد النساء الحلم طفلا  ترضعه. تغذيه. تربيه. تغرس الحلم في قلب الوليد. يكبر و الحلم سويا في سرية. يخوض في بحر الحياة و حلمه في جوفه يختمر. يزرعه في الأرحام كما زرعه ابوه و أجداده من قبل. هكذا انبثق الحلم في الأرواح بعيدا عن الأعين الراصدة.

هكذا غزل الحلم فتلة وراء اخرى.  حتى اذا حانت اللحظة المناسبة.  اللحظة التي اتفقت عليها كل تلك الأرواح التي نسجت الحلم. اللحظة التي زرعت في كل قلب و تنقلت بين الأجيال في سرية. لحظة رسمت ملامحها بدقة. جعلت لها مقدمات كأنها الساعة. جعلت لها علامات غابت عن العسس و كتاب التقارير. لحظة تقاطع كل الخيوط. لحظة اتصال كل الحلقات. لحظة اكتمال الحلم. لحظة اليقظة. لحظة الطوفان. لكل زمان طوفان يأتي بغتة يقتلع كل شيء. يعيد كل شيء لنقطة البداية الاولى. هذا هو الارث و هكذا تقول الاسطورة.

الطوفان. طوفان من البشر. يملئون كل شيء. يقتلعون كل شيء. يعيدون كل شيء للبداية الاولى كي يتمكنوا من البناء مرة اخرى. يفعلون هذا كله بتوحد. كأن كل هذه الأرواح التي حملت الحلم اتحدت في روح واحدة. روح عظيمة. تحمل في طياتها عبق ملايين البشر. تحتوي كل ازمنتهم. كأنهم صاروا شخصا واحدا. كل الوجوه صار لها نفس الملامح. نفس القلوب. نفس الدماء. الصوت واحد و النشيد ذات النشيد. تختلف الكلمات لكن اللحن واحد. الهتاف نفسه يملئ شوارع كل المدن. حرية! هكذا كانوا يهتفون. حرية.  حرية.  حرية.

انتهى الحلم. اصبح واقعا. اصبح حقيقة. اصبح ثابتا من الثوابت. موجودا الى الأبد. اصبحت مدن القمع مدنا للحرية. كلها صارت نفس المدينة؛ القاهرة مصراتة حمص تعز طرابلس الحمامات اللاذقية قنا الاسكندرية حماة الزاوية تونس عدن كلها مدن الحرية. لم تعد حلما. لم تعد وهما. لم تعد حديثاً لتزجية الوقت. لم تعد هما يصيب بالإحباط. صارت حقيقة نفاخر بها سائر المدائن. نحيا فيها و تحيا فينا. مدن الحرية ؛ حقيقتنا الوحيدة و ما خلاها ليس شيئا. 

الثلاثاء، 2 أغسطس 2011

يا مجند..صدرت الأوامر

صدرت الأوامر..وجه سلاحك يا مجند نحو أمك..نحو أخوك..نحو جارك..نحو طفلك الرضيع..وجه سلاحك نحو قلبك..اقتل بعنف كل طفولة و أخوة..اقتل ببندقيتك ما تبقى من ترانيم العروبة..انتشر في تشكيلاتك الحربية..استمع إلى آخر التوجيهات العسكرية..احشد قواك و شد من أزر البقية..استعد للاقتحام..للدفاع عن الوطن ضد الوطن..جهز صورة للرئيس..لترفعها فوق أنقاض الوطن..أيعقل أن يكون العسكري بكل هذا الغباء؟ ألا تسأل نفسك..لم أوجه فوهة بندقيتي نحو ذكريات الطفولة؟ ألا تسأل نفسك؟ أرضي المحتلة هناك..رابض بها جيش العدى الذي نتمرن على قتاله كل يوم، فلم أحتل أرضي الحرة اليوم إذا؟ أتراك نسيت..أم أن عقلك لا يتسائل؟ و هل تستوي الحياة بدون تساؤل؟ أيكون إنسانا من كان دون سؤال؟ اكتفيت بما قاله القادة..أنستك هيبة النياشين الكاذبة و سطوة الرتب المرتعشة أنك إنسان قبل أن تكون مجندا..ألا تفكر؟

 أنت لم تعد جنديا عربيا..أنت مجند في جيش اللصوص..أنت حامي حمى الاستبداد..آلة للقتل..ماكينة للدمار..للهلاك..أنت لست فخر الجندية العربية..انس التاريخ الذي دروسك إياه في الكلية..انس صلاح الدين و قطز و أيبك..امح من ذاكرتك صورة ذلك المقاتل في سبيل الحرية..لا تقف بفخر تحت راية الوطن..لا تردد بصوت أجش نشيد العروبة..لا تنظر لسلاحك بفخر فأنت لست جنديا في جيش الشعب..أنت مكلف بحماية اللصوص..ترمي رصاصات غدر من بنادق مصنوعة في جهنم..ترمي بها إلى الصدور العارية..تفجر القلوب العذبة النقية..تقتل روحا عربية..تقتل الوطن ثم ترفع صورة الرئيس..تقطع حنجرة من غنى للوطن بصوت مغمور بعبق التاريخ القديم..بتعب الملايين و غلبهم..لتغني نشازا نشيدا للرئيس..

هي حرب لا نصر فيها..هي حرب لا تموت شهيدا فيها..هي حرب لا تستطيع أن تنهيها..فالجندي لم ينتصر يوما على الفكرة..أسمعت يوما عن جيش تمكن ممن الانتصار على ثورة..لو قتلت كل نفس..و اقتلعت من كل الصدور كل قلب..و قطعت كل الآذان و انتزعت كل الألسن..ستسمع من باطن الأرض نشيد الحرية..ستبقى الفكرة..سيموت العسكري و تبقى الفكرة..أسمعت يوما عن جندي هزم الفكرة...