الجمعة، 2 سبتمبر 2011

أحلم !

أحلم..أو ليس من حقي أن أحلم؟أحلم و حلمي بسيط.  بسيط بساطة نفسي..صغير بحجم طموحاتي و ضيق كأفقي..لا مالا أرجو و لا جاه أريد و لا نساء كما الملبن تشتهي نفسي..حلمي أبسط من ذلك..لا أحلم بأن يعم السلام في أرجاء الأرض كما يتشدق الفنانون إن سئلوا عن أحلامهم..حلمي شخصي للغاية، لا هدفا ساميا وراءه و لا يحتوي على عظمة تستحق بسببها أن يتبناه آخرون..أحلم أن أطلق العنان لقلمي فيكتب أفكاري كما تطرأ على عقلي..أحلم أن أنتمي لتلك الطبقة من الكتاب العظام الذين نقلوا سير الشعوب..أولئك العظام الذين شكلوا الوعي الإنساني. أحلم أن أصبح مثلهم..عصبيون، فقراء، يدخنون بشراهة و يحتسون فناجيل القهوة بلا انقطاع..يقرؤون بنهم و لا يكتبون إلا وفقا لطقوس صارمة..هكذا أتخيلهم و هكذا أريد أن أكون..أحلم أن تكون لي مكانة على قدر موهبتي فإن كانت عظيمة خلدت سيرتي مع عظماء القلم و إن كانت فقيرة ذكر اسمي مع أدعياء الثقافة و الفكر..أحلم أن أكتب فقط..و أن تقرأ كلماتي و أفكاري فيشار إلي بالبنان أو بالحذاء لا فرق..المهم أن يشار إلي..أن أسمع صدى لكلماتي..
أحلم أن أحيا قارئا و كاتبا و لا شيء آخر..أحلم أن أحيا حلمي بتفاصيله و معاناته..أن أعيش في داخله حتى يتماهى مع واقعي..أن أمضي سني عمري ملاحقا الحلم حتى أحققه أو أقضي دونه..أحلم بالانعتاق من ثوب أرتديه و لا يليق بي..أحلم بالهروب من مكان وضعتني فيه الأقدار لا أفهمه و لا تسعني رحابته..أريد انسلاخا عن شخصية أتقمصها و لا أجيدها..بل أزدريها فأزدري نفسي..هي جنة لغيري مقبرة لي..أحلم بالتخلص من الموظف في داخلي, ذاك الخائف من ظله الذي يخشى رئيس القسم و يكاد قلبه يتوقف إذا استيقظ من نومه متأخرا.. الذي يقضي حياته أسيرا لروتين قاتل ممل يمتص روحه يوما وراء الآخر حتى إذا ما بلغ سن التقاعد أصبح حطام إنسان..تائها مرتعبا كما السجين حين يفرج عنه بعد خمسين عاما من الحبس.. يقولون لي دائما حين أهذي بحلمي هذا، أحمد ربك على ما أنت فيه فهناك كثيرون يتمنون أن يكونوا مكانك.. فأقول الحمدلله الذي لا يحمد على مكروه سواه..
آه من وظيفة تقتل الأمل و تنفث في روح فتية عجزا..تقضي على أي بذور موهبة تماما كما يقضي الجراد على المحاصيل..تصيرني فردا في عجلة إنتاج كالثور في الساقية لا يملك من أمره إلا الدوران فالدوران ثم الدوران حتى ينفق فيستبدل و لا يعاد يذكر..صيرتني هذه الملعونة جزءا من كل و أنا في طبعي كل كامل لا أحب التجزئة.. فأنا يا سادة لست موظفا يأتي و يذهب في وقت محدد..يؤدي عمله وفقا لمعايير الجودة و النوعية و تراتبية المناصب الإدارية..يترقب نهاية العام كي يقيمه موظف آخر أشد منه غلبا لولا سطوة المنصب و تلك النظرات المتضرعة الخائفة التي تشجع على ظلمها و التلاعب بها..منظومة العمل هذه كلها لا أستسيغها و لا أراني أستطيع أن أتلائم معها أو أتلائم عليها.. فحبي للحياة و الخوض في أوحالها و مراقبة ناسها أكبر من حبي للعمل و البناء و الانضباط و الانتاج..في داخلي صعلوك عتيد..ابن ليل خائض في كل شيء..ذو تجارب أكبر بكثير من سنوات عمري الثلاثين..لا أراني واحدا من هؤلاء الذين يفنون زهرة شبابهم في خدمة الشركات و رؤوس الأموال..يقضون أجمل سنوات العمر و أخصبها في غرف مغلقة خلف مكاتب مهترئة..أنا لست من هؤلاء الذين تبنى على أكتافهم الأوطان..لا أنتمي لذلك النوع الذي يضطلع بالمسؤوليات الجسام و يستخلص سعادته من إرهاق نفسه في العمل المضني لتحقيق الفائدة للعموم..
أنا أولئك المهمشون الذين يتركون على ناصية الحياة..يتفرجون عليها..يراقبونها..يتمرمغون في طينها..يضحكون بهستيريا على كل ما فيها بينما يضحك الناس منهم إشفاقا..أنا الحكواتية و المغنواتية و الصعاليك..أنا الحشاشون و الأفاقون و المجاذيب.. أنا أولئك الذين يقطر حديثهم جنونا به مسحة من حكمة..أنا الأرصفة و الأزقة التي تحمل في ثناياها ذلك التاريخ المنسي..تلك الصفحات التي لم يهتم المؤرخون بتسجيلها..أنا ذلك اللسان الحارق الذي يعري الأشياء كلها..أنا العين التي رأت كل شيء.. الروح الصاخبة الساخرة الحاذقة التي تجيد التعبير عن كل شيء.. أنا تلك الذاكرة الجمعية التي تشكل روح الإنسان.. وجودي و أمثالي مهم لكن وضعي في المكان الخاطئ مهلكة للكل..أنا لست عاملا يابانيا أنا صعلوك عربي و لديه حلم (مع  كامل الاعتذار لأحمد الشقيري)..