الثلاثاء، 15 مارس 2011

ننتظر تجربة أثرى وأعمق من مجرد رحلة للشقيري

حضاريا تعتبر التجربة اليابانية من التجارب الرائدة والمثيرة للاهتمام في شتى مجالات الحضارة، وخصوصيتها تكمن في قدرة الحضارة اليابانية على تجاوز محنتها واستمرارها في مسيرتها النهضوية حتى أصبحت الأمة اليابانية من أكثر الأمم تقدما. مع العلم أنها واجهت صعوبات وتخطت عقبات شديدة الوعورة في سبيل مشروع نهضتها من هزيمة عسكرية وقنابل نووية إلى احتلال لأراضيها.

وقد قام العديد من الباحثين والمفكرين والمهتمين بالمشاريع النهضوية للأمم بدراسة التجربة اليابانية من شتى النواحي، لاكتشاف العوامل التي ساعدت الأمة اليابانية على الوصول للمكانة التي تتبوؤها الآن، وآخرهم أحمد الشقيري الذي حاول دراسة سلوكيات وقيم الفرد الياباني ومقارنتها مع سلوكيات وقيم الفرد العربي لبيان نوع التأثير الممكن للفرد أن يقوم به في نهضة أمته، وكفكرة هي جيدة جدا وتستحق الدراسة.

اختيار أحمد الشقيري لليابان كشعب وحضارة ليكونا أساسا لبحثه ذكاء يحسب له، فالأمة العربية تمر بظروف مشابهة نوعا ما لظروف اليابان إبان الحرب العالمية الثانية من احتلال وهيمنة لثقافة بعيدة عن الثقافة الأم. وبما أن اليابانيين تمكنوا من التخلص من كل هذه المعوقات المعيقة لمشروعها النهضوي وذلك بتداخل عدة عوامل أهمها إيمان الفرد الياباني بأهمية العمل والاضطلاع بدوره وواجبه تجاه هذا المشروع القومي، فإن عمل مقارنة بين الفرد الياباني والفرد العربي سيؤدي بلا شك إلى اكتشاف السلوكيات والقيم التي ساعدت الفرد الياباني على القيام بدور فاعل في نهضة أمته ومحاولة تفعيل وخلق سلوكيات وقيم متماثلة عند الفرد العربي حتى يؤدي دوره في نهضة أمته.

هذا من حيث الفكرة أما من حيث التنفيذ فقد خذل الشقيري العديد من المتلقين رغم صدق النية ووضوح الفكرة. فالمتابع لتجربة الشقيري اليابانية سيلاحظ السطحية في الطرح وغياب الموضوعية العلمية في مقارنات الشقيري مما أدى إلى إضعاف الفكرة وتشتيت المتلقي، فتعليقات ومقارنات الشقيري أقرب إلى تعليقات ومقارنات سائح منها إلى باحث أو مفكر أو داعية. حاول أحمد الشقيري دراسة المجتمع الياباني عن طريق الاحتكاك المباشر والملاحظة للسلوكيات العامة للشعب الياباني في الحياة اليومية، إلا أن احتكاك الشقيري باليابانيين لم يكن ذا عمق ومعظم ملاحظاته كانت أقرب إلى السطحية، ويعزى ذلك إلى قلة خبرته بهذا النوع من الدراسة والبحث والتي كان بإمكانه تجاوزها لو وسع من دائرة وشرائح الناس الذين قابلهم بدلا من التجول في المول أو القيام برحلات سياحية لا تؤدي الغرض من البحث ولا تمنحه العمق اللازم للخروج بنتائج ذات قيمة.

كما أنه يعاب على الشقيري أسلوبه في طرح أفكاره وملاحظاته والذي اتسم بالمبالغة الشديدة والانبهار الأشد المتوقع من سائح وليس من باحث ذهب إلى اليابان بغرض دراسة جانب من جوانب المشروع النهضوي الياباني، إضافة إلى نبرة الاستهزاء والاستخفاف عند عمل مقارناته بين الفردين العربي والياباني.

تجربة الشقيري اليابانية تسلط الضوء على موضوع حيوي وهام ولكنه نصف ضوء، ويجيب على تساؤلات عديدة و لكنها نصف إجابة، أتمنى من الشقيري أن يتقبل الملاحظات ويتحفنا في العام المقبل بتجربة أثرى وأعمق وأكثر من مجرد رحلة.

ليست هناك تعليقات: