الأحد، 13 أكتوبر 2013

هنا شقلبان محطة إذاعة حلاوة زمان


حصل الشاعر العبقري أحمد فؤاد نجم على جائزة مؤسسة الأمير كلاوس الهولندية للثقافة و التنمية تقديرا لتأثيره الكبير في عدة أجيال مصرية و عربية. و بهذا يلتحق بمبدعين عرب سبقوه في الحصول على الجائزة كالكاتب المسرحي لينين الرملي، و أيضاً الشاعر الفلسطيني الراحل محمود دوريش والمفكر السوري صادق جلال العظم والرسام السوداني إبراهيم الصلحي.

أسعدني الخبر. و لا أدري لماذا شعرت بالفخر و أنا أقرأ اسم الفاجومي إلى جوار محمود درويش و المبدعين الآخرين الذين حصلوا على الجائزة. و شطحت أكثر لدرجة اعتقادي أن لي مساهمة في ذلك و أن الفاجومي مدين لي شخصيا بالشكر و العرفان. فإن تنكر فسأشنع عليه و أطارده بالإشاعات و أتهمه أنه ارتقى على رقاب الغلابة و صار برجوازيا. كيف لا و أنا أنتمي لأحد هذه الأجيال التي أثر فيها الفاجومي ليس بشعره فقط بل بالحالة "الفاجومية" كلها. و لكن. بقدر ما أسعدني الخبر بقدر ما أثار عندي بعضا من عدم الارتياح. فعمنا أحمد فؤاد نجم لم ينتج أي قصيدة منذ سنين عديدة و هو يكتفي في كل لقاء حواري أو ملتقى ثقافي باجترار قصائده القديمة و التي و الحق يقال لا تزال طازجة و لا يزال عبقها صالحا لزماننا و ربما لأزمنة قادمة. مصدر انزعاجي و عدم ارتياحي هو أنني كنت أتمنى أن أسمع رأيه في الزمن الحاضر بهمومه و أفكاره، بناسه أغنيائه و فقرائه، بقادته و شعوبه، أصدقائه و أعدائه، جبابرته و غلابته. كنت أن أريد أن أسمع رأيه في هذا كله شعرا. فرأي أحمد فؤاد نجم في شعره يختلف عن ما يصرح به  في التلفزيون أحيانا.

في البرامج التليفزيونية التي يديرها مذيعون متخلفون كل همهم البحث في اللطائف و الغرائب، يستضيفون عمنا الفاجومي لا كشاعر فذ و صاحب فكر و شيخ طريقة كما يقولون بل كموضة، كشيء غريب و لطيف و مختلف. يلقون عليه بأتفه الأسئلة منتظرين تعليقا صادما أو "إفيها" يستجلب الضحكات و عمنا أبو النجوم لا يبخل على الجميع و يعطي كلا ما يريد، لكنه و في كل ما يقوله يلتزم بخطه الذي نسجه لنفسه بأن يكون صوت المسحوقين و الغلابة و من هم على باب الكريم. إعلامييون قلائل فهموه فاستخرجوا منه الدرر في حواراتهم معه، أكثريتهم ظلموه و استخفوا بما يمثله و حاوروه كما يحورون فنانا من إياهم. لكن مخرجا اسمه علي شوقي قدمه كما لم يقدمه أحد في برنامج اسمه حواديت أبو النجوم وثق فيه رحلته كاملة من الألف إلى الياء في عمل إعلامي توثيقي حقيقي يتناسب و مساحة الفاجومي في الثقافة العربية.

يبقى القول أنك إذا أردت أن تعرف رأي أحمد فؤاد نجم الحقيقي في الأشياء و اتجاه بوصلة قلبه  فاقرأه شعرا.ستسمع صوت الأرض بفاسها و ناسها و نيلها. ستسمع "كركرة" الجوزة، دقات قلوب المحبين، الأنين و الحنين، دمعة الغلابة و ضحكة المساجين، ستستمع إلى كرنفال صاخب من كل الأصوات.  ستقرأ التاريخ ليس من وجهة نظر السلاطين و الوجهاء و السادة المؤرخين بل من وجهة نظر الناس في حوش آدم و بولاق الدكرور و سائر حواري و نجوع و كفور مصر. لكن يبدو أن شيطان الشعر عند أبو النجوم قد تاب و آمن و آثر السلامة فلم تعد قريحته تشتعل بالقوافي. "و منين أجيب ناس لمعناة الكلام يتلوه".

قبل هذه الجائزة فاز أبو النجوم بمكان أصيل في وجدان الشعب العربي كله. و ملئ صفحته في كتاب التاريخ بالحواديت بعضها مسل و بعضها حزين و بعضها تشيب من هوله الولدان و كلها صاخبة ضاجة بالحياة.  ليس متواضعا فهو واع بمكانته  كشاعر عبقري صنع من اللاشيء شيئا و أثر في أمته كما قال ذات لقاء. صحيح أن الجائزة تأخرت و صحيح أيضا أن الخبر مر مرور الكرام و أعطي مساحة إعلان فقد رخصة قيادة في الصحف العربية، لكن حسب عمنا أبو النجوم أن قصائده القديمة ما زالت تتردد على الألسنة حتى الآن. و هو و إن كان بخل علينا بالجديد إلا أن رصيده في القلوب يسمح و ما قدمه لناسه يشفع.

هنا شقلبان محطة إذاعة حلاوة زمان.

فراس عطية

ليست هناك تعليقات: