السبت، 2 أبريل 2011

متلازمة "الخصوصية"

مؤمن بشدة بأن الشعوب الحرة التي تتقدم دائما بخطى واثقة نحو الازدهار و الحرية و العيش الكريم إنما تفعل ذلك لأنها تنقد ذاتها باستمرار. تنقد ذاتها نقدا قاسيا حقيقيا و تعري شخصيتها ناقدة أمراضها النفسية بصدق يمكنها من رؤية واقعها رؤية حقيقية مهما كان هذا الواقع مؤلما. نقد الذات يلزمه التزام راهب، و رؤية عالم، و تصميم ثائر. الطريق طويل و وعر تحيط به من كل اتجاه عقبات النفس البشرية و ميلها للتدليس و قلب الحقائق و لوم الآخر ، إلا أن الشعوب التي تعي أهمية نقد الذات تسير في هذا الطريق بثبات لأنه طريق حتمي للتقدم و الازدهار. في المقابل، نحن نبرع كثيرا في السير في طريق مواز لكنه ذو اتجاه خاطئ؛ يسمى جلد الذات و هو مختلف تماما عن نقد الذات و يؤدي لنتائج كارثية على الأغلب.
لذالك و بناءا على ما سبق سأحاول نقد أحد أهم الأمراض التي تعتري الشخصية السعودية المجتمعية و هي متلازمة الخصوصية. الخصوصية في حقيقتها امتداد لنظرية شعب الله المختار اليهودية الصنع سعودية التطبيق حاليا. الخصوصية هذه من أهم أسباب التأخر الذي نعاني منه على كافة الأصعدة، ثقافيا، سياسيا، اقتصاديا، اجتماعيا،...الخ..الخصوصية هي المبرر الأول و الشماعة التي نعلق عليها تأخرنا و نبرره، فباسم الخصوصية نمارس شتى أنواع الاضطهاد على المرأة السعودية. نمنعها من ممارسة حقوقها و مواطنتها و نحرم المجتمع من إسهاماتها و نلغي عقلها لأنها جوهرة مكنونة و لأننا شعب له خصوصيته. مجتمعنا يعاني من تفشي العنصرية بكل أشكالها؛ عنصرية القبيلة، عنصرية الفكر، عنصرية المذهب، عنصرية اللون، عنصرية المنطقة و غيرها. و إذا حاولت نقد هذه العنصريات المقيتة ينفى وجودها في البداية، و حتى إذا تمكنت من إقناعهم بوجودها قيل لك نحن شعب له خصوصية.
الشخصية السعودية في حقيقتها شخصية مركبة مؤلفة من عدة متناقضات، في العمل شخصية تختلف عن شخصية المنزل و تتناقض تماما و كليا مع شخصية الأصدقاء. و لكل شخصية من هذه الشخصيات فكر مختلف تماما مع أنها كلها تنتمي لذات واحدة. لم أجد لهذه السمة العجيبة سببا غير الخصوصية العجيبة التي تمنع الإنسان أن يكون نفسه في كل الأحوال. بسبب متلازمة الخصوصية أصيب الإنسان السعودي بانفصام حاد في الشخصية يمكن ملاحظته بسهولة إذا ناقشت أحدهم في موضوع واحد في محيطين مختلفين. بسبب هذه الخصوصية المقيتة شوه الفكر و العقل ببشاعة لا تضاهى مما يقوض أي محاولة لأي نوع من أنواع الإبداع..  
فباسم هذه الخصوصية اللعينة يضع التعليم على عقول الطلبة غشاوة ليخرجوا لنا بأدمغة خالية من أي فكر حر ناقد. باسم هذه الخصوصية و شقيقتها "الثوابت" يقرع أي حراك فكري ثقافي يهدف لنقد بناء يعين على استقراء المستقبل. فإن طالبت بديموقراطية و دولة مؤسسات مدنية قيل لك الديموقراطية لا تصلح لنا فنحن شعب له خصوصية. إذا رغبت بصحافة حرة ذات هامش واسع من الحرية قيل لك الحرية لا تناسبنا فنحن شعب له خصوصية. يا لهذه الخصوصية البغيضة تكبل الفكر و تحبس الروح خلف قضبان من التخلف و الإقصاء في عتمة من الجهل و تظل تنخر فيها حتى تذبل و تتلاشى. هذه الخصوصية البغيضة تصور لنا أنفسنا بأننا شعب الله المختار، الشعب الوحيد على وجه البسيطة الذي حاز الحقيقة و احتكر كينونتها بينما في الحقيقة أصبحنا الشعب الوحيد الذي يرفض الحرية، يرفض الفكر، و يزدري العقل. حقا نحن شعب له خصوصية..

ليست هناك تعليقات: